ما لهم الـذي تحمله ؟ عنوان المادة
ناصر ابن سليمان العُمر فضيلة الشيـخ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
واشهد أن محمدا عبده ورسوله تسليما كثيرا.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ).
أما بعد فأيها الأخوة المؤمنون، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
أيها الأحبة، هذا الموضوع موضوع يهم الجميع رجالا ونساء شبابا وكهولا وشيبا.
هذا الموضوع أيها الأحبة الذي يحمل هذا السؤال:
ما الهم الذي تحمله ؟
ما سبب هذا الموضوع أيها الأخوة ؟
سبب هذا الموضوع، هناك سببان رئيسان :
السبب الأول ما رأيته من هذه الصحوة المباركة:
التي تعد بمئات الآلاف بل بالملايين، فعندما تذهب إلى مسجد من المساجد تجده مليئا بالمصلين وبالمتعلمين، بالراكعين وبالساجدين، عندما نلتقي في مناسبة كُثر، في المحاضرات ودروس العلم نجد أولئك الذين يقبلون على هذه المحاضرات وعلى هذه الدروس وهم بعشرات الآلاف، عندما نذهب لبلد من البلدان سواء داخل هذه البلاد أو خارجها ماذا نجد؟
نجد كما قلت مئات الألوف، لا أعني أننا لا بد أن نلقاهم ولكننا نسمع عنهم رجالا ونساء.
عندما رأيت هذا العدد لهائل ورأيت هذه الملايين كما قلت، ورأيت هذه اليقظة المباركة، ونظرت إلى الأعمال التي تؤدى، ونظرت إلى النتائج التي نرجو، فإذا هي لا تتناسب أبدا مع هذا العدد الهائل الذي أشرت إليه.
هذه الملايين التي تمثل هذه الصحوة المباركة من الرجال والنساء، نتائج أعمالها لا تمثل هذا الواقع التي تعيشه الصحوة فتساءلت ما السر في ذلك ؟
لماذا لا نرى أعمالا تتناسب مع هذه الطاقات ومع هذه المواهب ومع هذه الأعداد.
فجلست أتأمل وأفكر في هذه القضية.
السبب الثاني ما رأيته من أعداء الله:
من حرص ومن دأب ومن نشاط ومن عمل ضد الإسلام، هذا العمل الدؤوب الذي نسمع آثاره وأخباره في كل يوم.
أسألكم أيها الأحبة، هل استمعتم في يوم من الأيام ومنذ عدة سنين إلى نشرة من نشرات الأخبار ولم تسمعوا في هذه النشرة خبرا أو أكثر من خبر من آثار أعداء الله ومن مؤامرتهم على الأمة الإسلامية ؟
لا أظننا منذ سنوات نستمع إلى نشرة من نشرات الأخبار من أي إذاعة كانت إلا ونجد خبرا رئيسا أو أكثر من خبر يدل ويمثل ما عليه أعداء الله جل وعلا وما يقوم به أعداء الله.
أقول أيها الأخوة، الذي يرى ويستمع إلى جهود أعداء الله يتعجب، وهم على الباطل، وهم على الكفر يرى والله عجبا، يرى جهودا متواصلة، ويرى أيضا ثمارا لهذه الجهود، ولا أذهب بكم بعيدا، إننا نرى جهود أعداء الله جل وعلا في بلادنا بلاد التوحيد.
خروج النساء إلى الأسواق كاسيات عاريات أثر من جهود عظيمة عملها أعداء الله.
ما يسمى بالبث المباشر هذه البلية التي بلينا بها أخيرا أو ما سمى بالدُش، أتعلمون منذ كم بدء؟ منذ عام ألف وأربعمائة هجرية أي منذ قرابة خمسة عشر عاما وأعداء الله على قدم وساق نشاطهم من أجل الوصول إلى النتيجة التي وصلوا إليها بعد سنوات.
وأذكر أن أحد وزراء الإعلام وهو زير الإعلام السابق ذكر في محاضرة ألقاها في كلية الشرعية في حدود عام 1400/1401هـ أنه بعد سبع أو ثمان سنوات سيأتي ما يسمى بالبث المباشر، وإذا نحن فعلا نراه بعد عشر سنوات.
بنوك الربا وانتشارها ثمرة عملية – أيها الأحبة- لنشاط أعداء الله ولدأبهم ولحرصهم.
هذان السببان جعلني أتسأل هذا السؤال وهو موجه إلى كل واحد منكم، موجه إلى الرجال وإلى النساء، موجه إلى الكهول وإلى الشباب وإلى الصغار:
ما الهم الذي تحمله ؟؟
لماذا ؟ لأن الذي يهتم لشيء لا بد أن يُرى أثر هذا الهم.
ولأني أريد أن أشرح لكم الموضوع وأن ابسطه تبسيطا، لنأخذ مثلا عمليا.
جلست أتأمل وأقول يا تُرى لو قمت بتوزيع استمارة على الأخوة الموجودين أمامي الآن وقلت لكل واحد منهم خذ القلم والورقة وأجب على هذا السؤال:
ما الهم الذي تحمله ؟؟
وأنا أقصد بهذا السؤال أن تضع جميع همومك مرتبة حسب الأولويات لأنه لا يمكن لأي واحد منا إلا أنه يحمل عدة هموم، وأنا هنا لا أعني الهم الذي يصطلح عليه العامة عندما يقولون: فلانا مهموم أي مريض أو نحو ذلك.
لا، بل أقصد الهم الذي يهمك ويشغل بالك وتجري وتسرع وتتحرك في نطاق هذا الهم.
تُرى لو أن كل واحد منكم كتب ما يهمه، كتبها مرتبة، وأريد من كتابته أن يكون صادقا مع الله جل وعلا، فمن السهل جدا أن تأتي ورقة كل واحد منكم وفيها:
أنني أحمل هم الإسلام.
لكنني لا أريد هذا الجواب بهذه الطريقة.
أريد أن تتأمل، ولا مانع أن تأخذ الورقة معك إلى بيتك ولتنفرد بنفسك في غرفة ليس عندك أحد، وتتقي الله جل وعلا وتنظر فعلا:
ما الذي يهمك ؟
ما الهم الذي يشغلُك ؟
ثم تكتب لي اهتماماتك، فهل أجد أن الذي يهمك، وأن الهم رقم واحد هو:
همُ الإسلام ! همُ هذه الأمة! همُ هذا الدين ! هم هذه العقيدة ؟؟
أو أنني سأفاجئ بأن الهموم تشعبت واختلفت.
وكما قلت لكم أريد الإجابة بصراحة وبصدق، لا يهمني أسم من كتبها وإنما يهمني أن اصل إلى نتيجة عملية.
إنني أتوقع أنني سأجد عددا كبيرا يكتب لي أن همه هم الإسلام، وأسأل الله أن تكونوا منهم. سيكتب لي أن همه هم هذه الدعوة، لا أشك في ذلك.
ولكنني على قناعة أنني سأجد عددا كبيرا أيضا منهم من يكتب لي:
أن همي هو هم الوظيفة.
وآخر يكتب أن همي الحقيقي هو هم السعي في طلب الرزق.
وثالث يقول لي إن همي الذي يسيطر على كياني هو هم الزواج.
ورابع يقول لي إن همي الذي يسيطر علي هو هم الأولاد وتأمين مستقبلهم ومعيشتهم.
وخامس يقول لي إن همي أن أبني بيتا.
وهكذا نجد الهموم قد تفرعت. لا أشك أن هم الإسلام سيأتي، ولكن قد يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة.
هكذا إذا كنا صادقين في الإجابة – أيها الأخوة -.
ما الهم الذي يشغلُك ؟
هذا سؤال – أيها الأحبة – هو القضية التي نناقشها هذه الليلة، ولذلك أذكر لكم في بداية حديثي قول المصطفى في الحديث الذي رواه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت نبيكم يقول :
( من جعل الهموم هما واحدا، هم أخرته، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالي الله في أي أوديتها هلك ) صححه الألباني
هذه حقيقة أيها الأخوة، وهذه قضية يجب أن نقف معها وأن نكون صرحاء.
هذا هو السؤال هذا اليوم : ما الهم الذي تحمله ؟
قف مع نفسك وقفة مصارحة لأنني فعلا لن أطلب منك إجابة، ولن أقدم لك ورقة، ولكني أوجه لك سؤال ستسأل عنه يوم القيامة يوم تلقى الله جل وعلا.
ما الهم الذي يشغلُك أيها الأخ الكريم ؟
هل هو هم هذه الأمة المستباحة ؟
هل هو هم هذه الأمة المضطهدة ؟
هل هو هم هذا الدين الذي توجه له أعداء الله عن قوس واحدة ؟
هل هو هم هذه العقيدة التي تهاجم الآن في بلاد التوحيد ؟
الرافضة أصبح لهم مكانة في بلاد التوحيد، الصوفية أصبح لهم مكانة في بلاد التوحيد، اليهود والنصارى وأعداء الله، غيرهم وغيرهم
يسعون بجد واجتهاد لهدم عقيدة التوحيد في بلاد التوحيد.
(يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).
هذه هي الحقيقة يا أخي الكريم.
فتعال معي نتساءل سؤال حقيقيا إيمانيا قبل فوات الأوان ما الهم الذي تحمله ؟
هل أنت تحمل هم الوظيفة كما يفعل كثير من الناس ؟
هل أنت تحمل هم طلب الرزق في الحياة، وتجعل هم الإسلام درجة ثانية وثالثة ؟
هل أنت تحمل هم أولادك ، وتقول من لأولادي من بعدي؟
لا من أجل الدين ولكن من أجل الدنيا، هناك من يسعى جادا وحريصا يواصل ليله ونهاره من أجل أولاده، من أجل دنياهم لا من أجل دينهم.
هنا تأتي القضية التي تحتاج إلى سؤال ومصارحة ما الهم الذي تحمله ؟
يا أخي الكريم، انظر في النتيجة التي تصل إليها.
فإن توصلت إلى أنك تحمل هم الإسلام، وتحمل هم هذه الدعوة، وتحمل هم هذه الأمة فهنيئا لك. أقول لك والله هنيئا لك وهنيئا لك.
لأنه كما استمعنا في الحديث:
( من جعل الهموم هما واحدا، هم أخرته، كفاه الله هم دنياه).
إذا كنت تحمل هم الدعوة، وتحمل هم الإسلام، وتحمل هم هذا الدين فهنيئا لك لأن الله سيكفيك بقية الهموم.
وإن كنت توصلت إلى أن الهم الذي يسيطر عليك، وأن الأمر الذي تسعى إليه في حياتك هو هم وظيفة أم هم طلب رزق أم أي هم من هموم الدنيا.
فأقول لك البدار البدارَ قبل أن يصدق عليك حديث المصطفى :
(ومن تشعبت به الهموم في أحوال) من وظيفة وزواج وطلب رزق وبناء بيت.
(ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالي الله في أي أوديتها هلك ).
أخي الكريم تسألني وتقول لي :
كيف أعرف أني أحمل هم الإسلام ؟
وأنا أسألك مرة أخرى عن أي شيء تفكر ؟
أسألك بالله عندما تضع رأسك على الوسادة ما هو الذي يسيطر على تفكيرك ؟
عندما تستيقظ من النوم ما الذي يشغل بالك ؟
عندما تسير في السيارة والأفكار تدور في خاطرك، ما هي هذه الأفكار ؟
بل أقول وأنت تصلي ما الذي يشغلك ؟ هل هي الصلاة وما فيها من آيات؟
أسألك هذا اليوم وقد استمعت إلى هذه الآيات العظيمة من سورة المائدة ، هل أنت معها متأملا متفكرا ؟ أم أنك لا تدرك إلا ركوعها وسجودها ولم تعقل منها شيء ؟
لماذا ؟ لأن الدنيا قد شغلت بالك، لأن هموما أخرى من هموم الدنيا قد أرقتك.
يا أخي الكريم إذا كنت عندما تضع رأسك على الوسادة تفكر في حال هذه الأمة.
إذا كنت يا أخي الكريم عندما تستيقظ تفكر في واقع هذه الأمة.
يا أخي الكريم عندما تسير في الطريق لا تفكر إلا في أحوال المسلمين .
عندما تجلس مع إخوانك حديثكم عن الإسلام وعن أحوال المسلمين.
عندما تتحدث مع أولادك تتحدث عن تربيتهم وإعدادهم لأجيال قادمة ليقفوا أمام أعداء الله جل وعلا. إذا كنت كذلك فأنت فعلا تحمل هم الإسلام.
قالت زينب (رضي الله عنه) للرسول :
( يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثُر الخبث).
ولا أزكيكم على الله – لا أشك في طيبة كل واحد منكم، ولكن الطيبة وحدها لا تكفي.
الصلاح وحده لا يكفي، انظر ما الذي يحدثك الآن؟
ما الذي يشغل بالك الآن ؟
الناس يختلفون في هذه القضية:
هناك الكثيرون يسيطر على كيانهم أمور الدنيا كما ذكرت من طلب رزق، ومن وظيفة أو أولاد أو منصب أو دراسة أو طلب شهادة أو طلب جاه أو طلب سمعة.
الناس شتى (كل يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها).
فيا أخي الكريم هذا هو السؤال.
ويكفينا لو أنهيت المحاضرة على حد هذا السؤال لكفانا لقاء هذا اليوم لأهمية هذا الموضوع.
وهنا قلت لك أخي الكريم أنت أحد رجلين وأسأل الله أن تكون الأول، أن تكون ممن يحمل هم هذا الدين حقيقة وصدقا وواقعا.
أو – وأعيذك بالله من ذلك- أن الهم الذي تحمله هو هم أي هدف من أهداف الدنيا أو غاية من غايات الدنيا.
بعد ذلك يأتي سؤال لا بد منه وهو:
هل يعنى هذا أن لا نحمل هم وظيفة ؟
ولا نحمل هم طلب الرزق ؟
ولا نحمل هم الزواج ؟
أخشى أن يتعجل متعجل من الحماس ومن الخير وقد يكون الآن يعد العدة للزواج بعد رمضان فيقول مادام هذا يصادم الهم الأول إذا أنا لن أتزوج.
ويأتي أخر فيقول أنا اليوم أدرس والحمد لله وأريد الشهادة، إذا هذا يتصادم مع حمل هم الإسلام، إذا لا أريد الشهادة وينسحب من جامعته ومن دراسته.
وثالث أخشى أن يقدم استقالته من وظيفته.
فالسؤال الذي لا بد منه هل يعني هذا أنه لا يجوز لنا أن نحمل هم هذه الهموم ؟
وأقول لا، ليست هذه هي القضية.
قلت لكم ما الهم الذي تحمله ؟ أي ما الهم رقم واحد ؟ ومعنى ذلك أن هناك عدة هموم.
ليست المشكلة – أخي الكريم – أن تحمل هم الزواج، أو أن تحمل هم بناء البيت أو أن تحمل هم طلب الرزق، أو أن تحمل هم طلب الوظيفة.
كل هذا يكون مشروعا في حالة واحدة فقط، إذا كان همك الأول هو هم هذا الدين، وهم هذه الأمة، وهم هذه العقيدة فكل الهموم التي تأتي بعد ذلك لا حرج عليك ولا تأثيم عليك – أخي الكريم -، لماذا ؟
لأنه ثبت علميا – انتبهوا لهذه القضية-
ثبت علميا وثبت من حيث الواقع ومن حيث التجارب أن الهم رقم واحد يسيطر على بقية الهموم.
فإن كنت تحمل الهم رقم واحد هو هم هذا الدين فإنه سيسيطر ويوجه هم الوظيفة وهم الزواج وهم طلب الرزق وهم بناء البيت إلى غير ذلك.
أما إن كان الهم رقم واحد من هموم الدنيا فإنه سيؤثر على هم الدين حتى لو كنت تحمل هم هذا الدين ولكن جاء بالمرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة.
والأمثلة توضح هذه الحقيقة:
لنأخذ المثال عن رجلين، رجل يحمل هم هذا الدين ومع ذلك يحمل هم الوظيفة، يحمل هم طلب الرزق، يحمل هم الزواج، يحمل هم بناء البيت فكيف تكون النتيجة ؟
إذا كان يحمل هم هذا الدين فهو قطعا سيبحث عن الوظيفة التي تخدم دينه، ولو عرض عليه مثلا وظيفة مدرس وخّير بين مدرستان:
إحداهما قريبة من البيت ومريحة وسيعطى من الحصص قليلا ولكن ليس فيها مجال للدعوة إلى الله جل وعلا.
والأخرى بعيدة وتحتاج منه مشقة وقد يكون نصابه أكثر، ولكنه يجد أنها مجالا خصبا لتربية الأولاد، لتربية الأبناء، أو لتربية البنات إن كانت مدرّسة، وتحتاج منه إلى جهد وجهاد.
إن الذي يحمل هم هذا الدين سيختار المدرسة الثانية.
عند قضية الزواج مثلا، فالذي يحمل هم هذا الدين سيبحث عن الفتاة الملتزمة، الفتاة الصالحة، ولو جاءته أمه وقالت يا بني إني وجدت لك فتاة جميلة ومن عائلة كريمة ووضعها المادي مناسب ولكنها لم تلتزم بعد، سيقول:
لا يا أمي لأن المصطفى يقول : (فأضفر بذات الدين تربت يداك).
وتعرض عليه الثانية والثالثة والرابعة ولا يقبل إلا بذات الدين، حتى لو قالت له أمه في يوم من الأيام يا بني إني وجدت لك فتاة ملتزمة صالحة، ولكن قد لا تكون ذات نصيب كبير من الجمال، سيقول:
ليس الجمال مشكلة يا أمي فالذي يهمني هو هذا الدين فسيتزوجها.
أما الأخر الذي لا يحمل هم الدين فيريد في المرأة إما جمالا أو مالا أو حسبا أو نسبا، كما قال المصطفى :
(تنكح المرأة لأربع، لمالها ولجمالها، ولحسبها ، ولدينها فأضفر بذات الدين تربت يداك ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
انظروا للذين تشعبت بهم الهموم حول هذا المثال.
نحن عرفنا أن الذي يحمل هم هذا الدين لن يتزوج إلا امرأة صالحة حتى ولو نقصت الأمور الأخرى، حتى ولو كانت قليلة المال، حتى ولو كان جمالها ليس بذاك الجمال لكن يهمه منه أمر الدين.
أما الأخر فلننظر:
هناك من الشباب من يبحث عن الجمال فقط، فتأتيه أمه أو يأتيه أبوه أو إخوانه فيقولون وجدنا لك فتاة ثرية وذات دين وحسب ولكن جمالها قليل، أي ليست قبيحة ولكنها ليست جميلة جدا، فيقول لا أريدها.
ثم يعرض عليه ويعرض عليه حتى يأتي يوم من الأيام فيقال له:
وجدنا لك فتاة جميلة جدا، ولكنها فتاة مغرورة، ولكنها فتاة قليلة الدين غير ملتزمة فيقول هذه التي أريد وتلتزم إن شاء الله فيما بعد. هذا أن كان يعنيه أمر الالتزام.
ارأيتم الفرق بين الاثـنين؟
وثالث يبحث عن امرأة موظفة فيعرض عليه من النساء من فيها من الجمال وفيها من الحسب وفيها من الدين لكنها ليست موظفة فيقول لا أريدها.
حتى إذا وجدوا له امرأة موظفة كما يريد حتى لو كانت قليلة الالتزام بالدين فيقبل بها.
لماذا لأن هدفه الأول ، ولأن همه الأول من هموم الدنيا ولم يكن هم هذا الدين.
حتى في قضية شراء البيت فالذي لا يهمه أمر دينه فتجده يركز على الأرض وعلى موقعها وعلى مساحتها وهل هي على شارعين أو على ثالثة أو على واحد ثم يشتريها.
أما الذي يهمه أمر هذا الدين فيسأل عن الجار، ويسأل عن الحارة، ويسأل عن الموقع، فإذا وجدها مناسبة اشتراها.
إذا أيها الأخوة، وصلنا إلى حقيقة معينة أنه ليست القضية وليست المشكلة أن تحمل هم الوظيفة ولا أن تحمل هم الزواج، بل يجب أن تحمل هم الزواج لأن الرسول يقول :
(يا معشر الشباب من استطاع منكم البائة فليتزوج).
ولكن القضية ما هو الهم الذي يسيرك ؟
ما هو الهم الذي يسيطر على كيانك ؟
ما هو الهم الذي يؤرقك ليلا ونهار ؟
هذا هو السؤال وهذا هو الجواب.
ففتش عن نفسك، وتأمل في حالك وبادر قبل فوات الأوان.
هنا يأتي سؤال آخر.
تأتي هموم أخرى طارئة تسيطر على همنا كمن يصاب بمصيبة مثلا، أو يصاب بمرض، أو يكون عليه من الديون ما يثقله فيقول لي يا أخي الكريم:
الذي يؤرقني الآن هو هم هذا الدين، فهل أنا على طريق خاطئ ؟
أقول له يا أخي الكريم إن الهموم الطارئة لا تتعارض مع الهم الأول، فمن الطبيعي جدا إذا أصيب الإنسان بمصيبة أن يبقى زمنا يسيرا تشغله هذه المصيبة.
فالذي عليه دين اثقل كاهله لا شك أن الدين سيؤرقه حتى يقضي هذا الدين، ولكنه مرة أخرى يعود خيرا مما كان.
هذه قضايا أيها الأحباب تبين لنا بصفاء وبجلاء هذه الحقيقة :
ما الهم الذي تحمله ؟
وهنا مرة أخرى أعود إلى قضية أشرت إليها، ولكن قبل ذلك أذكر حديثا للمصطفى يقول فيه:
(من أراد أن يعلم ما له عند الله، فلينظر ما لله عنده).
تريد أن تعرف موقعك عند الله، وأن تعرف مكانك في الآخرة، أنظر ما لله عندك.
أنظر ما لهذا الدين في قلبك، اجر الحسابات.
هل الذي في قلبك هو حب هذا الدين والعمل لهذا الدين والغيرة على هذا الدين.
أو أنك فعلا تحب هذا الدين ولكن الذي في قلبك للدنيا أكثر بهمومها وشعابها.
(من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده).
هذه قضية لا بد أن نقف معها أيها الأحبة، هنا السؤال الجوهري في هذه المحاضرة:
ماذا يعني أن يكون همي الأول هذا الدين ؟ وكيف يكون ذلك؟
أقول لك أن هذا يعني:
أولا أن تفكر دائما وأبدا في دينك وفي أمتك وفي الواقع الذي تعيشه الأمة الآن.
ثانيا العمل الدؤوب الجاد، انظر يا أخي الكريم كم مضى من عمرك ،ماذا قدمت للإسلام.
انظر كم عمرك الآن ثلاثين سنة ، أو خمس وعشرين سنة، أو أربعين سنة، أو خمسين سنة ، أو ستين سنة ؟
اجلس مع نفسك جلسة مصارحة واسأل ماذا قدمت للإسلام ؟
ماذا قدمت لدينك؟ أنظر إلى هذه النعم التي أعطاك الله جل وعلا وهذه المواهب كيف استخدمتها ؟
هل استخدمتها لأمور الدنيا، أو استخدمها لأمور دينك ؟
إذا العمل الجاد الدؤوب ، ومحاسبة النفس .هل أنت تحاسب نفسك ؟
تريدون أن أوجه لكم سؤال آخر فأقول:
كم مرة جلست مع نفسك لمدة ساعتين أو ثلاث وليس لك هم ولا غرض ولا مأرب ولا حاجة إلا أن تحاسب نفسك على ماذا قدمت لدينك ؟
سؤال صريح أيها الأخوة، لنكن صرحاء مع أنفسنا، ولله أن الوقت أن نحاسب أنفسنا الآن خير لنا من أن نحاسبها أو تُحاسب يوم القيامة.
يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه:
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر على الله جل وعلا).
هل جلست لمدة ساعة واحدة في المسجد، أو في بيتك وغفلت عن أولادك ؟
هل جلسَت هذه الأخت جلست صدق مع نفسها وصارحت نفسها، وصارحت نفسك: